أهمية إدارة الوقت في حياتنا أم إدارة الانتباه : في عالمنا المهووس بالإنتاجية، زاد الطلب كثيرًا على وقتنا في ظل تعدد المهام المطلوبة، بما في ذلك العمل والالتزامات العائلية والهوايات. فليس غريبًا أننا أصبحنا نريد الاستمرار في إنجاز كل المهام، ومع ذلك نريد الاستمرار في النوم ليلًا!
معظم النصائح التي تتحدث عن الإنتاجية، تدور حول إدارة الوقت، أو كيفية إنجاز أكبر قدر من المهام خلال إطار زمني قصير. في المقابل، يقترح بعض الباحثين نهجًا جديدًا للإنتاجية يعتمد على إدارة الانتباه، بدلاً من إدارة الوقت. لماذا إدارة الانتباه أفضل من إدارة الوقت؟ وكيف تدير انتباهك لتحقق الإنتاجية المثلى؟
لا يمكنك التحكم في الوقت!
عادةً ما تتضمن إدارة الوقت، تحديد موعد نهائي، ومدة زمنية لكل مهمة، على أمل إنجاز المزيد في وقت أقل. تكمن مشكلة مفهوم إدارة الوقت في افتراضه أنك كإنسان، يمكنك إدارة الوقت والتحكم فيه.
الحقيقة هي أن الوقت لا يزال كما هو، ويمضي بنفس وتيرته مُعلنًا عن أيام وشهور سنوات جديدة! باختصار.. لا يمكننا التحكم في الوقت، ولا تمكننا دائمًا السيطرة على الوقت من خلال ضغط مزيد من المهام في اليوم الواحد.
وعندما تتراكم عليك المهام، من السهل جدًا تحديد موعد ما لإنجاز مهمة، ثم التخلّف عن هذا الموعد لسبب مهم أو غير مهم! المشكلة هي أنك ما إن تبدأ بالتأجيل ساعة بعد ساعة، حتى تجد نفسك تحوّل مهام اليوم إلى الغد، فتتفاقم المشكلة وتقلّ الإنتاجية.
إدارة الانتباه بدلًا من التحكم في الوقت
إذاً ما دمت لن تستطيع التحكم في الوقت، يمكنك على الأقل إدارة انتباهك والتحكم به لتكسب مزيدًا من الوقت.
ما هي إدارة الانتباه؟
إدارة الانتباه هي القدرة على توجيه انتباهك بوعي في أي لحظة معينة، لتكون أكثر نشاطًا من رد الفعل، والحفاظ على السيطرة بدلاً من التخلي عنها بدون قصد. بكلمات أخرى، إنها فن التركيز على إنجاز الأشياء للأسباب الصحيحة، في الأماكن المناسبة وفي اللحظات المناسبة.
على سبيل المثال، لن تقول “إنك ستحل هذه المشكلة في العمل من الساعة العاشرة حتى الواحدة ظهرًا”.
ستقول فقط “إنك اليوم ستحل هذه المشكلة في العمل”.
ما الفرق؟
لنفترض أنك لم تستطع -في الحالة الأولى- حل المشكلة خلال الساعات المحددة. ستشعر بالإحباط وتنصرف عن تحقيق المهمة. لكنك في الحالة الثانية، ستحاول حلها في الساعة العاشرة صباحًا وتكرر المحاولة في الخامسة عصرًا، دون أن تشعر أنك تضيع وقتك.
الفكرة كلها هي التوقف عن تحليل كيف تقضي الوقت، والتركيز على الأشياء التي تتطلب انتباهك طوال يوم عملك.
لماذا إدارة الانتباه أهم من إدارة الوقت؟
في كثير من الأيام، نستيقظ صباحًا ولا رغبة لنا في النهوض من السرير أو التخطيط ليومنا. في التفكير التقليدي -إدارة الوقت- ستحبس نفسك في دائرة “إنها العاشرة ولم أبدأ بعد.. على أية حال لم يتبقَ وقت كثير لأنهض وأعمل….” إلخ من المبررات المرتكزة على الوقت والساعات.
في المقابل، عندما تعترف أنك كإنسان قد تستيقظ بمزاج صباحي سيء، لكنك تعرف أن هناك مهمة يجب أن يتم إنجازها اليوم، سيتحول الأمر إلى حافز للنهوض والعمل، حتى لو تأخرت قليلًا.
أما إدارة الانتباه، أنت تفكر فقط في سبب قيامك بمهام محددة، بدلاً من التفكير بالسرعة التي يمكنك فيها إنجاز شيء ما، وهذا يزيد الحوافز والإنتاجية.
في المقابل، الهوس بإدارة الوقت وضغط المهام اليومية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من الشعور بخيبة الأمل والفشل، ما يؤدي إلى مزيد من التسويف.
كيف تدير انتباهك في 3 خطوات؟
يمكن لمهارات إدارة الانتباه أن تغير طريقة تفكيرك في الإنتاجية. إليك ثلاث خطوات تساعدك في تغيير تفكيرك حول الوقت والإنجاز.
الخطوة الأولى: ما هي حالتك الذهنية الآن؟
تبدأ إدارة الانتباه بالتعرف على أي من حالات الدماغ الأربعة، أو أرباع الانتباه التي تتواجد فيها على مدار اليوم.
حالات الدماغ الأربعة هي:
1. مُشتَّت يهتم بردود الأفعال
إنها الحالة الدماغية الأكثر شيوعًا التي نبقى فيها معظم اليوم. في هذه الحالة، نستهلك انتباهنا بسهولة من خلال المشتتات الداخلية والخارجية، مثل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية والإشعارات وتطبيقات الوسائط الاجتماعية. هذه المشتتات، إلى جانب الإغراء الداخلي للتسويف، يمكن أن تبقيك عالقًا في حالة الدماغ هذه، ما يعني أنك لن تنجز الكثير.
2. مُركِّز ويَقِظ
إنها عكس الحالة الأولى. عندما تكون مركّزًا ويقظًا، ستبذل جهودك بنشاط وذكاء لتنجز مهامك. هذا يعني أنك ستدفع بوعي وقصد أي أفكار غير مرغوب فيها من عقلك، وتُقلّل المشتِتات في بيئتك للتأكد من أن انتباهك الكامل في المهمة التي تقوم بها. من المفاهيم الخاطئة الشائعة أن التركيز يحدث بشكل طبيعي. في الواقع إنه يتطلب عملًا وتدريبًا.
3. شارد الذهن غارق في أحلام اليقظة
في هذه الحالة الذهنية، أنت لا تولي اهتمامك لنشاط واحد، لكنك أيضًا لا تستسلم للمشتتات. قد تحدث معظم أحلام اليقظة عندما تكون في وسائل المواصلات، أو حتى في الحمام! قد يكون من المُغري الاستسلام لمشتتات وسائل التواصل الاجتماعي، أو ملء هذا الوقت بمهام “منتجة” مثل التحقق من البريد الإلكتروني. الشيء المهم الذي يجب تذكره هو أن ترك عقلك يتجوّل، أمر ضروري لتطوير رؤى عميقة وأفكار إبداعية. يمكن أن يؤدي التركيز على إدارة الوقت إلى التخلص من أحلام اليقظة الأساسية، ومنع الخيال من التحليق!
4. متدفّق
حالة التدفق هي حالة شديدة التركيز حيث تنسى نفسك في إنجاز مهمة ما. يتم إغلاق الجزء من عقلك الذي يدرك الاحتياجات المادية أو يلتفت للبيئة، فلا تشعر بالجوع أو البرد ولا تلاحظ ما يدور حولك.
يبدو أن هذا هو المكان المثالي للإنتاجية، لكن المشكلة هي أنه لا يمكنك إجبار نفسك على الدخول في حالة التدفّق، ولا يمكنك إيقاف التدفق متى شئت، ما يعني أنك قد تتعب وتحتاج بعدها إلى راحة طويلة.
بالطبع، يمكنك تدريب نفسك على الدخول في حالة التركيز واليقظة. وإذا بقيت منتبهًا ومركّزًا لفترة كافية، فقد تنزلق إلى التدفق.
الخطوة الثانية: ما الحالة الدماغية المثالية لهذه المهمة؟
الخطوة التالية في إدارة الانتباه، هي تحديد أفضل حالة دماغية للمهمة التي تعمل عليها. بالنسبة لمعظم المهام، فإن التركيز واليقظة هي المثالية التي يجب أن تكون فيها. تتضمن هذه الخطوة أيضًا فهم كيفية تدفق طاقتك وتقلّبها على مدار اليوم. هل من المرجح أن تكون أكثر إنتاجية في المساء أو في الصباح؟ اترك المهام المهمة التي تتطلب حالة من التركيز واليقظة خلال الأوقات التي يكون لديك فيها أكبر قدر من الطاقة العقلية.
الخطوة الثالثة: التحول إلى الحالة الدماغية المناسبة
بمجرد تحديد حالة الدماغ التي تريد أن تكون فيها، تكون الخطوة التالية هي التحول إليها. الأمر ليس سهلًا لكنه ممكن بالتدريب والممارسة.
على سبيل المثال، التحول إلى حالة التركيز واليقظة، يتطلب منك مسبقًا السيطرة على المشتتات بدلًا من تركها تسيطر عليك.
يمكنك الاستفادة من الأدوات التكنولوجية التي تُوقف الإشعارات تلقائيًا خلال ساعات محددة، والحرص على الحصول على فترات راحة متكررة وقصيرة -مثالية للدخول في حالة أحلام اليقظة والشرود الذهني الإبداعي-، إلى جانب الاعتناء ببيئة ومساحة عملك.
نصيحة إضافية!
التحول بالتفكير من إدارة الوقت إلى إدارة الانتباه، يتطلب جهدًا عقليًا ونظرة مختلفة إلى الإنتاجية.
يمكن أن يؤدي التركيز على اتجاه انتباهك إلى زيادة احترامك لذاتك وتقليل التسويف.